سورة المائدة - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


قوله عز وجل: {يسألونك ماذا أحل لهم} روى الطبري بسنده عن أبي رافع قال: «جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن عليه فأذن له فلم يدخل فقال: قد أذِنَّا لك يا رسول الله قال أجل ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب».
قال بو رافع فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة ففعلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها فتركته رحمة لها ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني بقتله فرجعت إلى الكلب فقتلته فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحلَّ لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين}.
وروي عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب فقتل حتى بلغ العوالي فدخل عاصم وسعد بن أبي خيثمة وعويمر بن ساعدة على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ماذا أحل لنا فنزلت: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} قال ابن الجوزي: وأخرج حديث أبي رافع الحاكم في صحيحه قال البغوي: فلما نزلت هذه الآية أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أمسك كلباً فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية» ولمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم» وقال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير قالا: يا رسول الله إنَّا قوم نصيد بالكلاب وبالبزاة فماذا يحل لنا فنزلت هذه الآية.
قال البغوي: وهذا القول أصح في سبب نزولها. وأما التفسير فقوله تعالى يسألونك يعني يسألك أصحابك يا محمد ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل كأنهم لما تلا عليهم من خبائث المآكل ما تلا سألوا عما أحل لهم {قل أحل لكم الطيبات} يعني قل لهم يا محمد أحل لكم الطيبات يعني: ما ذبح عن أسم الله عز وجل. وقيل: الطيبات كل ما تستطيبه العرب وتستلذه من غير أن يرد بتحريمه نص من كتاب أو سنة.
واعلم: أن العبرة في الاستطابة والاستلذاذ بأهل المروءة والأخلاق الجميلة من العرب، فإن أهل البادية منهم يستطيبون أكل جميع الحيوانات فلا عبرة بهم لقوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} فإن الخبيث غير مستطاب، فصارت هذه الآية الكريمة نصاً فيما يحل ويحرم من الأطعمة. وقوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} يعني وأحل صيد ما علمتم من الجوارح فحذف ذكر الصيد وهو مراد في الكلام لدلالة الباقي عليه ولأنهم سألوا عن الصيد وقيل: إن قوله وما علمتم من الجوارح ابتداء كلام خبره فكلوا مما أمسكن عليكم وعلى هذا القول يصح معنى الكلام من غير إضمار. والجوارح: جمع جارحة وهي الكواسب من: السباع والطير كالفهد والنمر والكلب والبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق من الطير مما يقبل التعليم سميت جوارح من الجرح لأنها تجرح الصيد عند إمساكه وقيل: سميت جوارح لأنها تكسب. والجوارح: الكواسب من جرح واجترح إذا اكتسب ومنه قوله تعالى: {الذين اجترحوا السيئات} يعني اكتسبوا وقوله ويعلم ما جرحتم بالنهار أي اكتسبتم مكلبين يعني معلمين.
والمكلب: هو الذي يغري الكلاب على الصيد. وقيل: هو مؤدِّب الجوارح ومعلمها وإنما اشتق له هذا الاسم من الكلب، لأنه أكثر احتياجاًً إلى التعليم من غيره من الجوارح. {تعلمونهن} يعني تعلمون الجوارح الاصطياد {مما علمكم الله} يعني من العلم الذي علمكم الله، ففي الآية دليل على أنه لا يجوز صيد جارحة ما لم تكن معلمة. وصفة التعليم هو أن الرجل يعلم جارحة الصيد وذلك أن يوجد فيها أمور منها: أنه إذا أشليت على الصيد استشلت وإذا زجرت انزجرت وإذا أخذت الصيد أمسكت ولم تأكل منها شيئاً ومنها أن لا ينفر منه إذا أراده وأن يجيبه إذا دعاه فهذا هو تعليم جميع الجوارح فإذا وجد ذلك منها مراراً كانت معلمة وأقلها ثلاث مرات فإنه يحل قتلها إذا جرحت بإرسال صاحبها.
(ق) عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنا قوم نصيد بهذه الكلاب؟ فقال: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه وإن خالط كلاباً لم يذكر اسم الله عليه فأمسكن وقتلن فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره».
وفي رواية: فإنك لا تدري أيها قتل وسألته عن الصيد المعراض، فقال: إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل وإذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكُلْ فإن وقع في المال فلا تأكل.
واختلف العلماء فيما إذا أخذت الكلاب الصيد وأكلت منه شيئاً فذهب أكثر أهل العلم إلى تحريمه ويروى ذلك عن ابن عباس وهو قول عطاء وطاوس الشعبي وبه قال الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وهو أصح قول الشافعي ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه» ورخص بعضهم في أكله يروي ذلك عمر وسلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وبه قال مالك لما روي عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه» أخرجه أبو داود. وأما غير المعلم من الجوارح إذا أخذت صيداً أو المعلم إذا خرج بغير إرسال صاحبه فأخذ وقتل فإنه لا يحل إلا أن يدركه حياً فيذبحه فيحل.
(ق) عن أبي ثعلبة الخشني قال: قلت يا رسول الله أنا بأرض قوم أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم فما يصلح لي؟ قال: «أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب فأن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل».
وقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} دخلت من في قوله مما للتبعيض لأنه إنما أحل أكل بعض الصيد وهو اللحم دون الفرث والدم. وقيل: من زائدة فهو كقوله تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر} {واذكروا اسم الله عليه}.
قال ابن عباس: يعني إذا أرسلت جارحك فقل بسم الله وإن نسيت فلا حرج. ومن قوله صلى الله عليه وسلم لعدي: «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل» فعلى هذا يكون الضمير في عليه عائد إلى ما علمتم من الجوارح أي سموا الله عليه عند إرساله. وقيل: الضمير عائد إلى ما أمسكن عليكم. والمعنى: سموا الله عليه إذا أدركتم ذكاته. وقيل: يحتمل أن يكون الضمير عائد إلى الأكل يعني واذكروا اسم الله عليه عند الكل فعلى هذا تكون للتسمية شرطاً عند إرسال الجوارح وعند إرسال الذبيحة وعند الأكل وسيأتي بيان هذه المسألة في سورة الأنعام عند قوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه {واتقوا الله} يعني واحذروا مخالفة الله يعني فيما أحل لكم وحرم عليكم {إن الله سريع الحساب} يعني إذا حاسب عباده يوم القيامة ففيه تخويف لمن خالف أمره وفعل ما نهاه عنه.


قوله عز وجل: {اليوم أحل لكم الطيبات} إنما كرر إحلال الطيبات للتأكيد كأنه قال: اليوم أحل لكم الطيبات التي سألتم عنها ويحتمل أن يراد باليوم، اليوم الذي أنزلت فيه هذه الآية أو اليوم الذي تقدم ذكره في قوله: {اليوم يئس الذي كفروا من دينكم} {اليوم أكملت لكم دينكم} ويكون الغرض من ذكر هذا الحكم، أنه تعالى قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} فبين أنه كما أكمل الدين وأتم النعمة، فكذلك أتم النعمة بإحلال الطيبات.
وقيل: ليس المراد باليوم يوماً معيناً وقد تقدم الكلام في ذلك اليوم وفي معنى الطيبات في الآية المتقدمة. وقوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} يعني وذبائح أهل الكتاب حل لكم وهم اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم من سائر الأمم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. فأما من دخل في دينهم بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وهم منتصروا العرب من بني تغلب فلا تحل ذبيحته.
روي عن علي بن أبي طالب قال: لا تأكل من ذبائح نصارى العرب بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر. وبه قال ابن مسعود. ومذهب الشافعي: أن من دخل في دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن، فإنه لا تحل ذبيحته.
سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى العرب فقال: لا بأس به. ثم قرأ: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وهذا قول الحسن وعطاء بن أبي رباح والشعبي وعكرمة وقتادة والزهري والحكم وحماد وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد والرواية الأخرى مثل هذا مذهب الشافعي.
واجمعوا على تحريم ذبائح المجوس وسائر أهل الشرك من مشركي العرب وعبد ة الأصنام ومن لا كتاب له، وأجمعوا على أن المراد بطعام الذين أتوا الكتاب ذبائحهم خاصة لأن ما سوى الذبائح فهي محللة قبل أن كانت لأهل الكتاب وبعد أن صارت لهم فلا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة ولأن ما قبل هذه الآية في بيان حكم الصيد والذبائح فحمل هذه الآية عليه أولى ولأن سائر الطعام لا يختلف من تولاه من كتابي أو غيره، وإنما تختلف الذكاة، فلما خص أهل الكتاب بالذكر دل على أن المراد بطعامهم وذبائحهم واختلف العلماء فيما لو ذبح يهودي أو نصراني على غير اسم الله فقال ابن عمر: لا يحل ذلك وهو قول ربيعة وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يحل. سئل الشعبي وعطاء عن النصراني يذبح باسم المسيح فقال: يحل فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
وقال الحسن: إذا ذبح اليهودي والنصراني وذكر غير اسم الله وأنت تسمع فلا تأكل وإذا غاب عنك فكل فقد أحله الله لك وقد زعم قوم أن هذه الآية اقتضت إباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقاً وإن ذكروا غير اسم الله فيكون هذا ناسخاً لقوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} وليس الأمر كذلك ولا نسخ لأن الأصل أنهم يذكرون الله عند الذبح فيحمل أمرهم على هذا فإن تيقنا أنهم ذبحوا على غير اسم الله لم تأكل ولا وجه للنسخ.
وقوله تعالى: {وطعامكم حل لهم} يعني أن ذبائحنا لهم حلال وهذا يدل على أنهم مخاطبون بشريعتنا. وقال الزجاج: معناه ويحل لكم أن تطعموهم من طعامكم فجعل الخطاب للمؤمنين على معنى أن التحليل يعود إلى إطعامنا إياهم لا إليهم لأنه لا يمتنع أن يحرم الله تعالى أن تطعمهم من ذبائحنا. وقيل: إن الفائدة في ذكر ذلك أن إباحة المناكحة غير حاصلة من الجانبين وإباحة الذبائح كانت حاصلة من الجانبين لا جرم ذكر الله تعالى ذلك تنبيهاً على التمييز بين النوعين ثم قال تعالى: {والمحصنات من المؤمنات} قال مجاهد: هن الحرائر فعلى هذا القول لا تدخل الأمة المؤمنة في هذا التحليل ومن أجاز نكاحهن أجازه بشرطين: خوف العنت، وعدم طول الحرة.
وقال ابن عباس: المحصنات: العفائف. فعلى هذا القول لا يحل نكاح الزانية لأنها لم تدخل في هذا التحليل وأباح العلماء نكاحها إذا تابت وحسنت توبتها.
روى طارق بن شهاب أن رجلاً أراد أن يزوج أخته فقالت: إني أخشى أن أفضحك إني قد بغيت فأتى عمر فذكر ذلك له منها فقال: أليس قد تابت؟ قال: بلى. قال: فزوجها. وقيل: إنما خص المحصنات بالذكر وهن الحرائر أو العفائف ليحث المؤمنين على تخير النساء ليكون الولد كريم الأصل من الطرفين.
وقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} يعني وأحل لكم المحصنات من أهل الكتاب اليهود والنصارى. قال ابن عباس: يعني الحرائر من أهل الكتاب. وقال الحسن والشعبي والنخعي والضحاك: يريد العفائف من أهل الكتاب فعلى قول ابن عباس: لا يجوز التزوج بالأمة الكتابية وهو مذهب الشافعي قال: لأنه اجتمع في حقها نوعان من النقصان، الكفر، والرق. وعلى قول الحسن ومن وافقه، يجوز التزويج بالأمة الكتابية وهو مذهب أبي حنيفة لعموم هذه الآية. واختلف العلماء في حكم هذه المسألة فذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التزويج بالذميات من اليهود والنصارى. روي أن عثمان بن عفان تزوج نائلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية وأن طلحة بن عبيد الله تزوج يهودية وروي عن ابن عمر كراهية ذلك ويحتج بقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} وكان يقول: لا أعلم شركاً أعظم من قولها إن ربها عيسى وأجاب الجمهور عن قوله ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن بأنه عام خص بهذه الآية فأباح الله تعالى المحصنات من أهل الكتاب وحرم من سواهن من أهل الشرك وقال سعيد بن المسيب والحسن: يجوز التزويج بالذميات والحربيات من أهل الكتاب لعموم قوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} وأجاب جمهور العلماء بأن ذلك مخصوص بالذميات دون الحربيات من أهل الكتاب.
قال ابن عباس: من نساء أهل الكتاب من تحل لنا ومنهن من لا تحل لنا. وقرأ: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} إلى قوله: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} والمراد بهم أهل الذمة دون أهل الحرب من أهل الكتاب. وقوله تعالى: {إذا آتيتموهن أجورهن} يعني مهورهن وهو العوض الذي يبذله الزوج للمرأة {محصنين غير مسافحين} يعني متعففين بالتزوج غير زانين {ولا متخذي أخدان} يعني ولا منفردين ببغي واحدة قد خادنها وخادنته واتخذها لنفسه صديقة يفجر بها وحده حرم الله الجماع على جهة السفاح وهو الزنا واتخاذ الصديق وهو الخدن وأحله على جهة الإحصان وهو التزويج بعقد صحيح {ومن يكفر بالإيمان} يعني ومن يجحد ما أمر الله به من توحيده ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله {فقد حبط عمله} يعني فقد بطل ثواب عمله الذي كان عمله في الدنيا وخاب وخسر في الدنيا والآخرة. وقيل في معنى الآية، ومن يكفر بشرائع الإيمان وتكاليفه فقد خاب وخسر وقال قتادة ذكر لنا إن ناساً من المسلمين قالوا: كيف نتزوج نساءهم؟ يعني نساء أهل الكتاب وهم على غير ديننا، فأنزل الله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} وقيل: لما أباح الله تعالى نكاح الكتابيات، قلن فيما بينهن لولا أن الله قد رضي أعمالنا لم يُبِحْ للمؤمنين تزويجنا، فأنزل الله هذه الآية والمعنى أن تزوج المسلمين إياهن ليس بالذي يخرجهن من الكفر. وقيل: إن أهل الكتاب وإن حصلت لهم في الدنيا فضيلة بإباحة ذبائحهم ونكاح نسائهم إلا أن ذلك غير حاصل لهم في الآخرة، لأن كل من كفر بالله وجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.
وقيل: إن من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله أو جحد بشيء مما أنزل الله فقد كفر بالله وحبط عمله المتقدم {وهو في الآخرة من الخاسرين} إذا مات على ذلك وهذا الشرط لا بد منه لأنه إذا تاب وآمن قبل الموت قبلت توبته وصح إيمانه.


قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} يعني إذا أردتم القيام إلى الصلاة ومثله قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} أي: إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله ومثله من الكلام إذا أتجرت فأتجر في البر أي إذا أردت التجارة. وهذا القول يقتضي وجوب الوضوء عند كل صلاة وهو ظاهر الآية ومذهب داود الظاهري وذهب جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم إلأى أنه يجزئ عدة صلوات بوضوء واحد وأجيب عن ظاهر الاية بان المعنى إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم على غير طهر فحذف ذلك لدلالة المعنى عليه وهذا أحد اختصارات القرآن وهو كثير جداً ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع يوم الخندق بين أربع صلوات بوضوء واحد وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» أخرجاه في الصحيحين وقيل في معنى الآية: إذا قمتم إلى الصلاة من النوم وقيل: هو أمر ندب ندب من قام إلى الصلاة أن يجدد لها طهارة وإن كان على طهر ويدل عليه ما روي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات» أخرجه الترمذي. وقيل: هذا إعلام من الله إلى رسول الله صلى الله علي وسلم أن لا وضوء عليه إلا إذا قام إلى الصلاة دون غيرها من الأعمال ويدل عليه ما روي عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقدم إليه طعام فقالوا ألا نأتيك بوضوء فقال إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» أخرجه مسلم. والقول الأول هو المختار في معنى الآية وفروض الوضوء المذكور في هذه الاية أربعة: الأول غسل الوجه وهو قوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم} واستدل الشافعي على وجوب النية عند غسل الوجه بهذه الآية وحجته أن الوضوء مأمور به وكل مأمور به يجب أن يكون منوياً ولما روي في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» والوضوء من الأعمال فيجب أن يكون منوياً وإنما قلنا: إن الوضوء مأمور به وأنه من أعمال الدين لقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبد وا الله مخلصين له الدين} والإخلاص، عبارة عن النية الخالصة ومتى كانت النية الخالصة، معتبرة كان أصل النية في جميع الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى معتبراً. واستدل أبو حنيفة لعدم وجوب النية في الوضوء بهذه الآية قال: إن النية ليست شرطاً لصحة الوضوء، لأن الله تعالى أوجب غسل الأعضاء الأربعة في هذه الآية ولم يوجب النية فيها، فإيجاب النية زيادة على النص والزيادة على النص نسخ ونسخ القرآن بخبر الواحد وبالقياس غير جائز.
وأجيب عنه: بأنا إنما أوجبنا النية في الوضوء بدلالة القرآن وهو قوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبد وا الله مخلصين له الدين} وأما حد الوجه، فمن منابت شعر الرأس إلى منتهى الذقن طولاً ومن الأذن عرضاً لأنه مأخوذ من المواجهة فيجب غسل جميع الوجه في الوضوء ويجب إيصال الماء إلى ما تحت الحاجبين وأهداب العينين والعذارين والشارب والعنفقة وإن كانت كثة. وأما اللحية فإن كانت كثة لا ترى البشرة من تحتها لا يجب غسل ما تحتها ويجب غسل ما تحت اللحية الخفيفة وهل يجب إمرار الماء على ظاهر ما نزل من اللحية عن الذقن؟ فيه قولان: أحدهما وبه قال أبو حنيفة، لا يجب لأن الشعر النازل عن حد الرأس لا يكون حكمه حكم الرأس في المسح فكذلك حكم الشعر النازل عن حد الوجه لا يجب غسله. والقول الثاني يجب إمرار الماء على ظاهره لأن الوجه مأخوذ من المواجهة فتدخل جميع اللحية في حكم الوجه. الفرض الثاني قوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} يعني: واغسلوا أيديكم إلى المرافق والمِرافق بالكسر هو من الإنسان أعلىلذراع وأسفل العضد. وذهب جمهور العلماء إلى وجوب إدخال المرفقين في الغسل ونقل عن مالك والشافعي وزفر وأبي بكر بن داود الظاهري، أنه لا يجب إدخال المرفقين في الغسل واختاره ابن جرير الطبري. ونقل عن مالك: وقد سئل عن قول الله عز وجل: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} فقال: الذي آمر به أن يبلغ المرفقين في الغسل لا يجاوزهما وحجة أصحاب هذا القول أن كلمة إلى لانتهاء الغاية وما يجعل غاية للحكم يكون خارجاً عنه كما في قوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} ولأن الحد لا يدخل في المحدود فوجب أن لا يجب غسل المرفقين في الوضوء وحجة الجمهور أن كلمة إلى هنا بمعنى مع ومنه قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} أي مع أموالكم ويعضده من السنة ما صح من حديث أبي هريرة أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل اليمنى حتى أشرع في العضد ثم يده السرى حتى أشرع في العضد ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ. والجواب عن الحجة المتقدمة إن الحد إذا كان من جنس المحدود دخل فيه كما في هذه الآية لأن المرفق من جنس اليد وإذا لم يكن من جنس المحدود لم يدخل فيه كما في قوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} لأن النهار من غير جنس الليل فلا يدخل فيه. الفرض الثالث: قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} اختلف العلماء في القدر الذي يجب مسحه من الرأس فقال مالك يجب مسح جميعه وهو إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الأخرى عنه أنه يجب مسح أكثره وقال أبو حنيفة: يجب مسح ربعه.
وفي رواية أخرى عنه: يجب مسح قدر ثلاثة أصابع منه وقال الشافعي والواجب مسح ما ينطلق عليه اسم المسح والمراد إلصاق المسح بالرأس وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح بالرأس فأخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب وأخذ الشافعي باليقين فأوجب مسح ما يقع عليه اسم المسح وأخذ أبو حنيفة ببيان السنة وهو ما روي عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين متفق عليه وقدر الناصية بربع الرأس. الفرض الرابع: قوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} اختلف العلماء في هذا الحكم. وهل فرض الرجلين المسح أو الغسل؟ فروى عن ابن عباس أنه قال: الوضوء غسلتان ومسحتان. ويروى ذلك عن قتادة أيضاً. ويروى عن أنس أنه قال: نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل. وعن عكرمة قال: ليس في الرجلين إنما نزل فيهما المسح. وعن الشعبي أنه قال: إنما هو المسح عن الرجلين. ألا ترى إن ما كان عليه الغسل جعل عليه التيمم وما كان عليه المسح أهمل. ومذهب الإمامية من الشيعة: أن الواجب في الرجلين المسح.
وقال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم والأئمة الأربعة وأصحابهم: إن فرض الرجلين هو الغسل. وقال داود الظاهري: يجب الجمع بينهما. وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين الغسل والمسح. وسبب هذا الاختلاف، اختلاف القراء في هذا الحرف. فقرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم: وأرجلكم بفتح اللام عطفاً على الغسل فيكون من المؤخر الذي معناه التقديم ويكون المعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم. وقال أصحاب هذه القراءة: إنما أمر الله عباده بغسل الأرجل دون مسحها ويدل عليه عليه أيضاً فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين فمن بعدهم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم وأرجلكم بكسر اللام عطفاً على المسح. أما قراءة النصب فالمعنى فيها ظاهر لأنه عطف على المغسول لوجوب غسل الرجلين على مذهب الجمهور ولا يقدح فيه قول من خالف. وأما قراءة الكسر فقد اختلفوا في معناها والجواب عنها فقال أبو حاتم وابن الأنباري وأبو علي الكسر عطف على الممسوح، غير أن المراد بالمسح في الأرجل الغسل. وقال أبو زيد: المسح خفيف الغسل لقول العرب تمسحت للصلاة بمعنى توضأت لها وهات ما أتمسح به للصلاة بمعنى أتوضأ.
قال أبو حاتم: وذلك أن المتوضئ لا يرضى بصب الماء على أعضائه حتى يمسحها مع الغسل فسمي الغسل مسحاً بهذا الاعتبار فعلى هذا الرأس والرجل ممسوحاً إلا أن مسح الرأس أخف.
والذي يدل على أن المراد بالمسح في الرجل الغسل ذكر التحديد وهو قوله تعالى: {إلى الكعبين} لأن التحديد إنما جاء في المغسول ولم يجئ في الممسوح فلما وقع التحديد مع المسح علم أنه في حكم الغسل. وقال جماعة من العلماء: إن الأرجل معطوفة على الرؤوس في الظاهر والمراد فيها الغسل لأنه قد ينسق بالشيء على غيره والحكم فيهما مختلف كما قال الشاعر:
يا ليت بعلك قد غدا *** متقلداً سيفاً ورمحا
والمعنى: وحاملاً رمحاً لأن الرمح لا يتقلد به وكذلك قول الآخرين. علفتها تبناً وماء بارداً. يعني وسقيتها ماء بارداً. وكذلك المعنى في الآية وامسحوا برؤوسكم واغسلوا أرجلكم فلما لم يذكر الغسل وعطفت الأرجل على الرؤوس في الظاهر اكتفى بقيام الدليل على أن الأرجل مغسولة من مفهوم الآية والأحاديث الصحيحة الواردة بغسل الرجلين في الوضوء. وأما من جعل كسر اللام في الأرجل على مجاورة اللفظ دون الحكم واستدل بقولهم: حجر ضب خرب. وقال: الخرب نعت للحجر لا للضب وإنما أخذ إعراب الضب للمجاورة فليس يجيد لأن الكسر على المجاورة إنما يحمل لأجل الضرورة في الشعر أو يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس لأن الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للحجر ولأن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف.
أما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب وقوله تعالى: {إلى الكعبين} فيه دليل قاطع على وجوب غسل الكعبين كما في وجوب غسل الرجلين كما في قوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} والمعنى: واغسلوا أرجلكم مع الكعبين وقد تقدم اختلاف العلماء في ذلك عند قوله إلى المرافق، والكعبان: هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم هذا قول جمهور العلماء من أهل الفقه واللغة وشذت الشيعة، ومن قال بمسح الرجلين. فقال: الكعب عبارة عن عظم مستدير على ظهر القدم ويدل على بطلان هذا القول أن الكعب لو كان على ما ذكره لكان في كل رجل كعب واحد فكان ينبغي أن يقال: وأرجلكم إلى الكعاب كما في قوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} فلما قال إلى الكعبين علم أن لكل رجل كعبين فبطل ما قالوه وثبت قول الجمهور.
فصل:
قد تقدم أن الفروض المذكورة في هذه الآية أربعة: وهي غسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين وقد تقدم استدلال الشافعي بهذه الآية على وجوب النية في الوضوء فصارت فرضاً خامساً. وذهب الشافعي ومالك وأحمد إلى وجوب الترتيب في الوضوء، وهو أن يغسل الأعضاء في الوضوء على الولاء كما ذكره الله في هذه الآية فيغسل أولاً وجهه ثم يده ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه، فصار الترتيب فرضاً سادساً. وذهب أبو حنيفة، إلى أن الترتيب في الوضوء غير واجب احتج الشافعي على وجوب الترتيب بهذه الآية وذلك أن الله تعالى أمر بغسل الوجه ثم بغسل اليدين ثم بمسح الرأس ثم بغسل الرجلين فوجب أن يقع الفعل مرتباً كما أمر الله تعالى ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث حجة الوداع: «ابدأ بما بدأ الله به» وهذا الحديث، وإن ورد في قصة السعي بين الصفا والمروة، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء ما وردت إلا مرتبة كما ورد في نص الآية ولم ينقل عنه ولا عن غيره من الصحابة أنه توضأ منكساً أو غير مرتب، فثبت أن ترتيب أفعال الوضوء كما مر الله تعالى ونص عليه في هذه الآية واجب واحتج. أبو حنيفة لمذهبه بهذه الآية أيضاً. وذلك أن الواو لا توجب الترتيب، فإذا قلنا بوجوب الترتيب صار ذلك زيادة على النص وذلك غير جائز وأجيب عنه بانه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ إلا مرتباً كما ذكر وبيان الكتاب إنما يؤخذ من السنة.
فصل في ذكر الأحاديث التي وردت في صفة الوضوء وفضله:
(ق) عن حمران مولى عثمان بن عفان أن عثمان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه إلى المرفقين ثلاثاً ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه».
(ق) عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري: «قيل له توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بإناء فأفرغ منه على يديه ثلاثاً ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثاً ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثم قال هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم» زاد في رواية بعد قوله: «فأقبل بيديه وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه».
عن عبد خير قال: أتانا علي كرم الله وجهه وقد صلى فدعا بطهور فقلنا ما يصنع بالطهور وقد صلى ما يريد إلا ليعلمنا فأتى بإناء فيه ماء وطست فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يده ثلاثاً ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً فمضمض ونثر من كف يأخذ منه ثم غسل وجهه ثلاثاً وغسل يده اليمين ثلاثاً وغسل الشمال ثلاثاً ثم جعل يده في الإناء فمسح رأسه مرة واحدة ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً ورجله الشمال ثلاثاً ثم جعل يده في الإناء فمسح رأسه مرة واحدة ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً ورجله الشمال ثلاثاً ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله كيف الطهور فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثاً ثم غسل وجهه ثلاثاً ثم غسل ذراعيه ثلاثاً ثم مسح برأسه فأدخل اصبعيه السبابتين في أذنيه ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه ثم غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم أو قال ظلم وأساء» أخرجه أبو داود.
وعن ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما» أخرجه الترمذي وصححه.
(ق) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لم يغسل عقبه فقال: «ويل للأعقاب من النار».
(م) عن جابر قال: أخبرني عمر بن الخطاب أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ارجع وأحسِن وضوءك قال فرجع فتوضأ ثم صلى» أخرجه مسلم عن خالد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة» أخرجه أبو داود.
(ق) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادانا بأعلى صوته: «ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثاً» عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة» أخرجه البخاري عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين» أخرجه أبو داود والترمذي. وقال وقد روي عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً».
(م) عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يحدث الناس فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة» فقلت ما أجود هذا فإذا قائل بين يدي يقول التي قبلها أجود فنظرت فإذا عمر قال: إني قد رأيتك جئت آنفاً قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبد ه ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء».
(م) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب».
(ق) عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» وفي رواية قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله».
وفي رواية لمسلم قال: سمعت خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء»، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات» أخرجه الترمذي.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» أخرجه أبو داود وابن ماجه. وقوله تعالى: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} أي اغتسلوا أمر الله بالاغتسال من الجنابة وذلك يجب على الرجل والمرأة بأحد شيئين: إما بخروج المني على أي صفة كان من احتلام أوغيره أو بالتقاء الختانين وإن لم يكن معه إنزال فإذا حصل وجب الغسل.
(ق) عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء يخلل بهما أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيده ثم يفيض الماء على سائر جسده» أو قوله تعالى: {وأن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} فقد تقدم تفسيره وأحكامه في تفسير سورة النساء وفي قوله تعالى منه دليل على أنه يجب مسح الوجه واليدين بالصعيد وهو التراب. وقوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} يعني من الاحداث والذنوب والخطايا لأن الوضوء تكفير للذنوب {لعلكم تشكرون} يعني تشكرون نعمة الله عليكم بأن طهركم من الاحداث والذنوب وما جعل عليكم في الدين من حرج.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8